
المجاهد عاجل عجول: بطلٌ صنع التاريخ وأثقلته التهم
عندما يغيب صانعو التاريخ عن سرد أحداثه، يبقى التاريخ مجرد وقائع صامتة. المجاهد عاجل عجول هو أحد رموز الثورة الجزائرية الكبرى وأحد الشخصيات التي ساهمت بعمق في تفجيرها وقيادتها، لكن حياته شابتها الكثير من الجدل والتهم التي أثرت على مسيرته ومكانته بعد الاستقلال.
نشأته وبداياته الثورية
وُلد عاجل عجول سنة 1923 في منطقة كيمل، إحدى قلاع الثورة التحريرية الكبرى. نشأ في كنف أسرة محافظة ملتزمة بتقاليد الدين الإسلامي، فحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ غلاف عيسى. واصل تعليمه الابتدائي وحصل على شهادة التعليم الابتدائي قبل أن ينتقل إلى قسنطينة لمواصلة دراسته في معهد عبد الحميد بن باديس، حيث انخرط في الكشافة الإسلامية وبرز كعضو نشط.
عاد إلى مسقط رأسه بعد عامين، وفي سنة 1948 انضم إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية. برز دوره كأحد مناضلي منطقة الأوراس الذين دعموا أعضاء المنظمة الخاصة الذين طاردتهم السلطات الفرنسية. وكان حضوره قوياً في الاجتماع التاريخي الذي عُقد سنة 1950 في المسجد العتيق بشناورة (دائرة تكوت، ولاية باتنة حاليًا)، بحضور مصطفى بن بولعيد وكوادر المنظمة الخاصة.
دوره في الثورة التحريرية
حمل عاجل عجول السلاح قبل انطلاق الثورة وشارك في عدة معارك وكمائن ضد المستعمر الفرنسي. ساهم في تدريب المناضلين وجمع الأسلحة استعدادًا لاندلاع الثورة. وفي ليلة أول نوفمبر 1954، كان على رأس مجموعة هاجمت مواقع العدو في كيمل.
بعد انطلاق الثورة، عينه مصطفى بن بولعيد في هيئة أركان جيش التحرير الوطني بمنطقة الأوراس نائبًا له. وكان أحد قادة معركة الجرف الشهيرة، التي مثلت نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة.
الخلافات الداخلية والتهم المثيرة للجدل
بعد اعتقال مصطفى بن بولعيد، تولى عاجل عجول قيادة الأوراس رفقة عباس لغرور وشيحاني بشير. إلا أن تصفية شيحاني بشير في ظروف غامضة أثارت اتهامات وُجّهت إلى عجول، خاصة من قبل عمار بن بولعيد، الذي زعم ضلوعه في الحادثة.
زاد الوضع تعقيدًا بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد بانفجار جهاز ملغوم، حيث اتُّهم عاجل عجول بالتورط في مقتله، وهي تهمة نفتها شهادات العديد من المجاهدين، مثل بيوش محمد وأحمد أوسبفي وأحمد قادة، الذين أكدوا أن العلاقة بين بن بولعيد وعجول كانت أخوية، وأن الغدر ببن بولعيد كان نتيجة مؤامرات أكبر.
محاولة الاغتيال والتهميش
بعد مؤتمر الصومام، أُرسلت لجنة التنسيق والتنفيذ بقيادة العقيد عميروش إلى الأوراس لتطبيق قرارات المؤتمر. وأفاد الرائد هلايلي، الكاتب الشخصي لعجول، بمحاولة اغتياله على يد عناصر من الولاية الثالثة، لكنه نجا بشجاعة ودهاء. ظل عجول معزولًا، محاصرًا من الداخل والخارج، مما دفعه في النهاية إلى اللجوء إلى الجيش الفرنسي حفاظًا على حياته، لكنه رفض التعاون مع العدو أو كشف أسرار الثورة.
حياته بعد الاستقلال
رغم دوره الكبير في الثورة، عاش عاجل عجول بعد الاستقلال حياة مأساوية. طاردته التهم والاتهامات بالخيانة، وعمل حارسًا في مدرسة، متحملًا نظرات الاحتقار من المجتمع. توفي في صمت يوم 21 يوليو 1992 بمدينة باتنة، تاركًا وراءه إرثًا جدليًا وتاريخًا لم يُنصفه بعد.
خاتمة
يبقى اسم عاجل عجول محفورًا في ذاكرة الثورة التحريرية، محاطًا بالجدل الذي لم يُحسم حتى اليوم. وبينما أنصفه بعض المجاهدين، يظل التاريخ بحاجة إلى إعادة قراءة دقيقة لتبرئة ساحة رجل قدّم الكثير للجزائر.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.